إختر عدداً من الأرشيف  
لبنان

اللبنانيون يغرقون في بحر التقارير المتناقضة: بحر لبنان صالح للسباحة والسياحة أم لا؟
تقرير مطمئن لمجلس علوم البحار: النقاط الصالحة تتفوّق على النقاط الملوّثة بكثير!
أين يمكن أن نسبح في لبنان؟ ما هي الشواطئ الآمنة أو قليلة المخاطر؟ وما هي أماكن السباحة التي قد يهدِّد ارتيادها بمخاطر الإصابة بالسرطان؟ وهل الأسماك وثمار البحر في الشاطئ اللبناني صالحة للأكل؟ وهل زال الأثر البيئي السلبي لكارثة التلوث النفطي التي أوقعها عدوان إسرائيل في العام 2006؟
هذه الأسئلة طرحت نفسها بقوة في الأسبوعين الأخيرين، مع وصول موسم السباحة والسياحة إلى ذروته. وكان لافتاً اختلاف الدراسات والتحليلات، بل تناقضها. ففيما أصدر المركز اللبناني للبحوث العلمية تقريراً يدعو إلى الارتياح والتفاؤل، تواترت تقارير أخرى أكثر حذراً. لكن الأسوأ كان تقرير محطة ال CNN التلفزيونية الأميركية والذي وصف البحر اللبناني بأنه مكبّ للنفايات الصلبة والسائلة.

في خضمّ الحديث عن تلوّث الشاطئ اللبناني وإنعكاساته على موسم الإصطياف، بثت شبكة "CNN" الأميركية تقريراً عن تلوّث الشاطئ اللبناني، تناولت فيه أزمة لبنان البيئية التي يعاني منها منذ سنوات، وأزمة النفايات براً وبحراً. وأظهر التقرير مشاهد مرعبة للنفايات القابعة في قاع البحر من معلبات ومواد بلاستيكية وغيرها، إضافة إلى النفايات التي تطفو على سطح المياه. ووفق التقرير، فإن الرائحة الصادرة عن المياه شبيهة برائحة الحمامات العامّة!
هذا التقرير ينتقده بعض المعنيين في لبنان ويقول: ليس بحر لبنان سيئاً إلى هذا الحد. ومؤسف أن تستغل بعض الأوساط الإعلامية العالمية سلبيات الوضع لإعطاء صورة تشوِّه وضع لبنان السياحي.

وفي هذا الشأن، جاء التقرير الذي أعده المركز الوطني لعلوم البحار بشأن نوعية مياه البحر على الشاطئ اللبناني. وانتهى التقرير إلى الخلاصة الآتية: ليس كل البحر ملوثاً رغم مأساته. ونشر التقرير نتائج فحوصات دورية ومتتالية أخذت ما بين كانون الثاني/يناير 2016 وحزيران/يونيو 2018، وأظهرت أن 16 من أصل 25 نقطة بحرية من العريضة شمالاً حتى الناقورة جنوباً آمنة وصالحة للسباحة والنشاطات المائية وتصنيفها جيد، بينما توجد 4 مناطق مصنفة بدرجة مقبول و5 مناطق سيئة وملوثة جداً ولا يمكن استخدامها للسباحة، بسبب تأثُّرها بالتلوث البكتيري من نوع العقديات والقولونيات البرازية. لكن كل نقطة تمثل جزءاً محدوداً، ولا تعكس الحالة البيئية للمنطقة كلها.
وتُظهر الخريطة التي نشرها التقرير أن المناطق الخمس السيئة والملوثة هي:
- قرب مصب نهر انطلياس.
- الشاطئ الشعبي على الرملة البيضا.
- المنارة الجديدة في بيروت.
- الشاطئ الشعبي في طرابلس.
- سلعاتا إلى جانب معمل الكيماويات.
وتتخطى نسب التلوث البكتيري فيها 500 مستعمرة بكتيريا في كل 100 ملل. أما النقاط المقبولة فهي التي تراوح نسب التلوث فيها بين 200 و500 مستعمرة بكتيريا، وتشمل:
- المينا- جزيرة عبدالوهاب في طرابلس.
- قرب مطار القليعات في عكار.
- المسبح شبه الشعبي في الصرفند.
- الرميلة- دير المخلص.
أما بقية العينات فقد أظهرت نتائجها أن الشاطئ بحالة جيدة. إذ راوحت النسب بين 0 و200 مستعمرة بكتيريا، مثل:
- شاطئ محمية صور الرملي
- قرب مرفأ الصيادين في الناقورة.
وجاء في التقرير: الاضاءة على النقاط النظيفة لا تعني عدم وجود مناطق ميؤوس منها. فالعينات المأخوذة لم تشمل أماكن مثل مصبات المياه الآسنة الموجودة بكثافة على طول الشاطئ وبقرب التجمعات الصناعية ومكبات النفايات، نظراً لأنها ملوثة ولا نحتاج لمعرفة ذلك إلى تحليل. ولم تؤخذ عينات من المسابح الخاصة لعدم صلاحية المجلس الوطني للبحوث العلمية. وهذا ما أكده رئيس المجلس معين حمزة، خلال إطلاق التقرير، الخميس في 19 تموز/يوليو 2018. وأكد حمزة أن هذه النتائج لا تنفي التدهور البيئي الذي يعاني منه الشاطئ بسبب المياه الآسنة، ومكبات النفايات والنشاط الصناعي ناهيك بغياب التنظيم المدني.
وأظهر التقرير نتائج فحص المعادن الثقيلة مثل: الرصاص، الزئبق والكادميوم الموجودة بتركيزات أدنى من النسب المسموح بها عالمياً في عضل الأسماك وبعض الصدفيات والقريدس، بعدما أخذت عيناتها من أماكن عدة على طول الشاطئ على مدى 3 سنوات. بالتالي، يضيف التقرير، فإن سمك لبنان سليم.
في المقابل، يبدو رئيس مصلحة الابحاث العلمية الزراعية الدكتور ميشال افرام أقل تفاؤلاً. وقال في مطلع حزيران/يونيو الفائت: ليس هناك مكان واحد على الشاطئ خالٍ كلياً من التلوث، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، إنما هناك أماكن أقل تلوثاً من غيرها. فالجميع يعلم أن مجارير الساحل والجبال تصب كلها في البحر، هذا من دون التطرق إلى النفايات.
ويذكر بأن مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية أجرت فحوصاً جرثومية وكيميائية ومعادن ثقيلة على عصارة النفايات، فتبين وجود معادن ثقيلة زئبق، رصاص... وملوثات كيميائية وملوثات جرثومية وصلت إلى 3.1023 جرثومة بالملم المربع أي أنها قنبلة جرثومية. فمياه البحر، مثل باقي المياه ملوثة جرثومياً، كيميائياً وبالمعادن الثقيلة الزئبق، الرصاص....

اعتراض دول الجوار
وتهديد مياه البحر والثروة السمكية فيه يأتي أيضاً من مياه الصرف الصحي التي يتم ضخها في البحر. ووصلت نسبة المياه المبتذلة المرمية في البحر إلى 300 مليون ليتر سنوياً وتأتي من 57 مصباً موزعاً على طول الشاطئ اللبناني الذي يبلغ طوله 225 كيلومتراً، بحسب ما جاء في دراسة أعدتها مجلة البيئة والتنمية في العام 2007.
وقد أبلغ عدد من دول حوض البحر الأبيض المتوسط الحكومة اللبنانية امتعاضها من تفاقم الوضع البيئي على الشاطئ اللبناني، واعربت عن تخوفها من انتقال هذا التلوث الى شواطئها، لافتة إلى أن التخوف سببه عدم فرز النفايات في المطامر الساحلية، وبالتالي فإن هذه النفايات قد تحوي على نفايات طبية او كيميائية. وأشارت مصادر دبلوماسية إلى أن هذه الدول تحتفظ بحقها في رفع دعاوى قضائية ضد الحكومة اللبنانية بسبب تلوث الشاطئ اللبناني، خصوصاً وان لبنان موقّعٌ على اتفاقيات الامم المتحدة المتعلقة بحماية البحر الأبيض المتوسط. الا انها حتى الآن، لم تقدم أية شكوى والأمر مقتصر على توجيه انذارات عبر القنوات الدبلوماسية.
ويعتبر البروفسور ولسن رزق وهو دكتور في الهندسة المائية والمدنية وميكانيكية التربة أن مشكلة الشاطئ هي واحدة من أكثر المشكلات البيئية إلحاحاً في لبنان. ويرى رزق أن عدو البيئة والحياة والذي يعتبر الأخطر من نوعه اليوم، يتمثّل بالتلوّث الناشئ عن تعقيدات تطوّر التكنولوجيا وحاجات المجتمع المعاصر، وهو ينقض مقولة الغاية تبرّر الوسيلة، فلا مغفرة لذنب التعدي على البيئة، فهي تساوي الحياة.
ولعل أبرز ما يجب أن تنصبّ عليه الجهود في هذا المجال هو الحرص على حماية الوجود السكاني الإنساني والحيواني والنباتي على حد سواء. فالبيئة ليست ملك الإنسان وحده. لكن لبنان اليوم بعيد كل البعد عن سلامة البيئة بكائناتها وعناصرها والتوازن الذي أوجدته الطبيعة في ما بينها.
وأول كوارث لبنان البيئية وفق البروفسور رزق تلوّث الشاطئ، فآلاف الأطنان من النفايات والملوّثات الصناعية تُقذف سنوياً في مياه البحر. ويقول: تعد حكوماتنا بتأمين محطات تكرير لمعالجة هذه الآفة، ولكن ما من شيء ملموس يتحقّق. ويضيف: إن الشاطئ اللبناني هو أكبر ضحايا التلوّث. فإذا أخذنا نموذجاً الساحل اللبناني لوجدنا أنه عرضة لمخالفات المصانع المنتشرة. كما أنه منطقة للصيد البحري العشوائي، يضاف الى ذلك آثار النفط المتسرّب من مستودعات معمل الجية التي قصفت خلال العدوان الإسرائيلي في 2006. والمحاولات التي جرت لتنظيف قاع البحر والشواطئ اللبنانية من التلوّث النفطي، ساهمت الى حد ما في الحد من هول الكارثة، ولكنها لم تحل المشكلة جذرياً.
ورمي مياه الصرف الصحي مباشرة في البحر من دون أية معالجة يفاقم المشكلة وكذلك رمي النفايات المنزلية العضوية والصناعية والزراعية والنفايات الصلبة. وثمة انفلات على هذا المستوى. فالنفايات تُرمى بشكل عشوائي في المياه الإقليمية، وبعضها يصل الى مياه البلدان المجاورة. وقد أدّى تراكم النفايات الى تغطية كاملة لقشرة الأرض على الساحل اللبناني بمختلف أنواع النفايات من البلاستيك والنايلون والتي لا يمكن أن تتآكل أو تتحوّل حتى بعد عشرات السنوات.
ويضاف الى ما سبق ذكره التمدن العشوائي المتمثّل بانتشار المنتجعات السياحية بشكل جنوني على الشاطئ اللبناني، مع ما تمثّله هذه الظاهرة من خطورة ردم البحر وتقليص مساحته البحرية لصالح التمدن الباطوني، ما يلحق أذى بالغاً بالبيئة، وهذا الأذى ينعكس حتماً على الإنسان.
وتلوّث الشاطئ يطاول مصالح الصيادين الذين يعتاشون من البحر، ويسبب دمار البيئة البحرية الساحلية الممتدة على عمق عشرة أمتار من داخل البحر وصولاً الى الشواطئ الرملية والصخرية، بكل ما تحتويه من مخلوقات بحرية، وبيض الأسماك والديدان والسلاحف، والأصداف والطحالب والحشائش البحرية.
وينتهي البروفسور رزق إلى طرح السؤال الآتي: ماذا نأكل؟ وأين نسبح؟ وماذا نصطاد وقد تحوّل البحر بركة ملوّثات وسموم!

أمراض تلوث الشاطئ
وتقول الاختصاصية في الأمراض الباطنية والطبّ الشرعي الدكتورة باسكال أبو سليمان عن سبب ازدياد تلوّث بحرنا: المشكلة أنّ الناس يعتبرون الامور التي لا يرونها، غير موجودة. وصحيح أنّ ملفّ النفايات غاب عن العلن في الفترة الأخيرة، ولكن هل حلّت المشكلة؟ كلّنا نعلم أنّ المكبّات العشوائية التي لا تُحصى ولا تُعدّ ما زالت منتشرة.
وإزاء هذا الوضع، فإنّ التلوّث يتزايد أكثر فأكثر، خصوصاً مع غياب هيكليّة مهنية لتنظيم هذه الأمور. فلم يتم مثلاً تشكيل لجنة معيّنة مؤلفة من اختصاصيين لمعالجة المياه، أو أخذ عيّنات المسابح الخاصة، ولم يتمّ إقفال أيٍّ منها لعدم استيفائه الشروط المناسبة؟ وقد تفاقمت مشكلة تلوّث المياه جرّاء أزمة النفايات، ما نتج عنها تسرّب المواد الكيميائية عالية السمّية، والمعادن الثقيلة وغيرها من المواد الى مياهنا، والتي تحتاج الى آلاف السنين لكي تزول من تربتنا وهوائنا ومياهنا.
وعلى رغم النتائج المخيفة، لا تبدو الدولة مهتمّة بصحّة أبنائها، فما زالت المبادرات فردية من قبل بعض الجامعات التي قامت بدراسات لم تنشر بعد، وفحصت عيّنات من بعض مياه لبنان، والتي كانت نتائجها مخيفة. وتقول أبو سليمان: في مياه لبنان نوعان من التلوّث: التلوّث الكيميائي والبيولوجي الذي يحتوي على البكتيريا والفيروسات والطفيليات، نتيجة اختلاط فضلات الانسان والحيوان بالمياه، ورمي النفايات فيها، اضافةً الى التلوّث غير المباشر من خلال المجارير التي تصبّ في البحر.
وتحمل عصارة النفايات التي تُرمى في البحر مواد كيميائية سامة لا يتمّ تكريرها بحسب القواعد العالمية السليمة والآمنة، إضافةً الى بقايا مساحيق التنظيف المنزلي وزيوت السيارات والفيول والمعادن الثقيلة كالزرنيخ والزئبق والرصاص، وقد أكّدت فحوصات سابقة وجودها في المياه، إضافة إلى المواد الكيميائية عالية السمّية التي حملها الرماد المتطاير من حرق النفايات مع الغازات التي اختلطت كلّها في المياه. والتعرّض لخليط من المواد السامة ينتج مزيجاً من الأمراض، منها الآنية ومنها الخطيرة والمزمنة، كالأمراض الجلدية، والتهاب العينين والأذنين، بالاضافة الى الأمراض المتناقلة مائياً والتي تُعرف بال "Waterborne Diseases" مثل التيفوئيد، التهاب الكبد الفيروسي، الإلتهاب الرئوي الحاد. واذا كان الشخص يتعرّض للمعادن الثقيلة وغيرها من الكيميائيات، فقد تنتج عنها أمراض خطيرة ومزمنة كالأمراض السرطانية، وأمراض أخرى تؤثر على الجهاز العصبي والذاكرة والكبد....
وقد تظهر الأمراض الجرثومية وأمراض الكبد والالتهابات الطفيفة، مباشرةً أو بعد فترة وجيزة من التعرّض للمياه، بينما تحتاج بعض الأمراض الأخرى الى وقت أكثر لكي تتراكم المواد السامة في الجسم حتى يصل الى مستوى تبدأ فيه الأمراض بالظهور.

المعادن الأكثر خطراً
ويعدّد البروفيسور نيقولا زوين بعض المواد المسرطنة على الشكل الآتي:
الزرنيخ: مادة مسرطنة، تلوّث السمك، وتسبّب سرطان الرئة، الجلد والكبد للأشخاص الذين يبلعون المياه التي تتواجد فيها.
الرصاص: يسبب سرطان الدم
معدن النيكل Nickel: يتواجد في البطاريات التي ترمى مع النفايات، ويسبب سرطان القلب والرئة.
الكروميوم Chromium: الموجود في الدهان البويا، يسبّب سرطاناً في الرئة.
كادميوم Cadmium: موجود في المعادن، ويسبّب سرطان البروستات.
وهذه المواد موجودة في مياه بحر لبنان، وتؤدي كثرة التعرّض لها الى الامراض السرطانية.
وإذا كان كل هذا التلوث خطراً على الكبار، فما هي مضاعفاته على الأطفال؟
يقول طبيب الأطفال وحديثي الولادة الدكتور أنطوان يزبك: يحمل هذا التلوّث تأثيراتٍ آنيّة وأخرى لمدّة أطول. وتظهر التأثيرات البكتيرية على الولد عندما يبتلع من مياه البحر أو المسبح، فتدخل الى أمعائه وتسبّب له التقيّؤ والإسهال مع ارتفاع في الحرارة. وهذا المشهد يتكرّر في عياداتنا سنوياً مع بداية موسم الصيف. أمّا التأثيرات الكيميائية المباشرة، فتسبّب حكّة في جلد الولد، فيتعرّض للطفح أو الالتهاب الجلدي. ويمكن أن تتجمّع هذه الترسّبات والمعادن الثقيلة على المدى البعيد في الجسم، بكميّة أكثر من المسموح أن تتواجد في جسمنا، فتصيب الجهاز العصبي للطفل، والجهاز التنفسي والكليتين وتسبّب الأمراض السرطانية والخطيرة. وتجدر الاشارة الى أنّ هناك مسابح تُبرز ورقة تظهر فيها المواد التي تحتويها المياه، ويمكن للأهالي القيام بمبادرة فردية وأن يطلبوا فحص مياه المسابح الخاصة خصوصاً من ناحية تواجد المواد الكيمائية والمعادن.
وشهدت عيادات اختصاصيّي الجلد السنة الماضية عدداً كبيراً من المصابين جرّاء تلوّث المياه، بحسب رئيس قسم الجلد في مستشفى جبل لبنان الدكتور روي مطران الذي قال: تتعدّد الآثار الجانبية للنفايات ومياه البحر، التي ينتج عنها مواد عضوية وأخرى كيميائية مسبِّبةً حساسيات الجلد المختلفة. لذلك، لاحظنا أنّ الناس الذين كانوا يسبحون في مياه البحر، من دون أنّ يغسلوا أجسامهم مباشرةً بعد الخروج من البحر بالمياه العذبة، كانوا يتعرّضون الى مشكلات جلدية جدّية وعلاجها صعب. كما سبّب التلوّث البحري الالتهابات الجلدية البكتيرية ما جعل المصابين يتناولون المضادات الحيوية. إضافةً الى التحسّسات الجلدية.

مركز علوم البحار يصحّح
وقد أثار تقرير مركز علوم البحار ارتياحاً شديداً في الأوساط السياحية. فبالنسبة إلى أركان هذا القطاع، تتعرّض السياحة في لبنان لحملة ممنهجة من الشائعات السلبية الهادفة الى ضرب القطاع ومؤسساته مع بدء موسم الصيف المفترض ان يكون الاكثر استقطاباً للسياح، والاكثر تحفيزاً للحركة الاقتصادية.
وأدّت الاخبار السلبية والملفقة عن تلوث بحر لبنان وثروته السمكية، والتي اندلعت وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الى ضرب السياحة البحرية وحرمان المنتجعات البحرية من روادها المحليين، وبطبيعة الحال من السياح الاجانب.
وتراجعت الحركة الاقتصادية في القطاع السياحي البحري بنسبة تفوق ال 40 في المئة خلال أهمّ فترة من الموسم السياحي، وهي أولّ 20 يوماً من شهر تموز/يوليو، أي بعد نهاية العام الدراسي وبعد انقضاء شهر رمضان، وفقا لما أكده نقيب أصحاب المؤسسات البحرية جان بيروتي الذي أوضح ان انطلاق حملة الشائعات مع بدء موسم الصيف السياحي ليس أمراً بريئاً، فالمؤسسات البحرية لم تتعرّض يوماً الى هذا الكمّ من الشائعات المغرضة ولم تصبها يوماً هذه التداعيات السلبية.
وقال بيروتي ان صدور تقرير علمي عن المجلس الوطني للبحوث العلمية والمركز الوطني لعلوم البحار، يغطي 30 شهراً من البحوث والفحوصات المخبرية لعينات من الشاطئ اللبناني، ويؤكد ان الشاطئ اللبناني ليس ملوثاً كما يشاع، يعتبر هو المرجع العلمي الوحيد الصحيح عن وضع الشواطئ في لبنان.
واعتبر بيروتي أن صدور تقرير المجلس الوطني للبحوث ونشر تقرير ال سي أن ان في اليوم نفسه، ليس صدفة، بل هو محاولة لتشويه صورة لبنان. وشرح ان تقرير ال سي أن ان قد تم تصويره وتحضيره منذ أكثر من شهرين، مما يؤكّد ان توقيت نشره في موازاة التقرير الايجابي لمجلس البحوث، يهدف الى ضرب القطاع السياحي وتشويه صورة لبنان وتدمير الاقتصاد، من قبل يد خارجية لمصالح محلية وخارجية.
واتهم بيروتي جهات خارجية ومحلية بهذا الموضوع، داعياً القضاء الى التحقيق لتحديد من يقف وراء الاشاعات التي سبقت صدور تقرير مجلس البحوث العلمي، ومن يقف وراء نشر تقرير ال سي أن أن في اليوم نفسه. كما دعا الى تعقب وملاحقة الجهات المروّجة لحملة الاشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال: اذا كنّا فقدنا بعضاً من حجوزاتنا القليلة قبل صدور تقرير مجلس البحوث العلمية، فقد استرجعنا جزءاً منها، بعد صدور التقرير الايجابي الذي توزع بشكل كثيف عبر وسائل الاعلام في لبنان وكان وقعه ايجابيّ جدّاً.
وشدّد رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية محمد شقير على ان دحض تقرير المجلس الوطني للبحوث العلمية والمركز الوطني لعلوم البحار كل الشائعات السلبية عن تلوث بحر لبنان وثروته السمكية، انتصار كبير للبلد وسياحته واقتصاده. وقال: يجب ان يشكّل ذلك عبرة لجميع اللبنانيين كي لا يأخذوا بكلام بعض من يدعي الغيرة على البلد فيما فبركاتهم السلبية والمسيئة تضرب بالصميم البلد واقتصاده.
وأضاف: من الضروري ان يتم اعتماد التقارير الصادرة عن الجهات الرسمية المعنية فقط، لأنه أصبح لدينا اليوم الكثير من الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، والذين ينشرون آراءهم من دون اية دراية بالموضوع الذي يتحدثون عنه، وهم يقومون بضخ الاخبار السلبية لجلب الانتباه، أو لتخريب الاقتصاد وصورة البلد.
وإذ أسف شقير للتداعيات السلبية التي اصابت أصحاب المؤسسات السياحية البحرية جراء شائعات وفبركات تلوّث بحر لبنان، أمل ان تتمكّن السياحة البحرية من جذب روادها وتعويض الخسائر التي تكبدتها. وختم: كلي ثقة بالقطاع السياحي في لبنان وبامكاناته وبقدرته على النهوض، داعياً كل اللبنانيين الى الوقوف الى جانب مؤسساتهم الوطنية وقضاء موسم الصيف كما يحبون في منتجعاتنا وشواطئنا.

    قرأ هذا المقال   95925 مرة
غلاف هذا العدد