إختر عدداً من الأرشيف  
فؤاد دعبول

التجديد السياسي يواكب الترميم أحياناً!
بعدما فرغ جبران خليل جبران من كتابه النبي أحد أهم روائع التجديد السياسي، قال بدماثة وهدوء، ان الترميم السياسي يواكب الاصلاحات، لأن البلاد من دون الاثنين تقع في وهاد التخلّف والانحطاط، ويخطىء مَنْ يعتقد أن جبران يريد غير ذلك.
ويستبعد صاحب كتاب النبي اي إصلاح في الحياة العامة، من دون السعي الى اعادة النظر في القديم من الأفكار البالية لأن التجدد هو من أبرز سمات الحياة في العصر الحديث.
والناس، تتذكر الأفكار الجبرانية، في هذا العصر، لأن ثمة اخطاء كثيرة تتكرر وليس هناك من يتصدى لها ويعمل على تغييرها.
في الأسبوع الفائت سعت الأحزاب السياسية في البلاد، الى التغيير، لأن المرحلة الراهنة تتطلب تغييراً في الأساليب، وتبدلاً في الوجوه، لكن مثل هذه الأمور تستدعي انقلاباً في الوجوه وفي الأساليب، وهذا ما سعى اليه أواخر القرن الماضي، الافذاذ من رجالات البلاد، وفي مقدمتهم الشاعر الكبير سعيد عقل. وعندما ترشح لرئاسة بلدية زحلة، ادرك ان التغيير لا يتحقق الا اذا ما سعى اللبنانيون جميعاً الى التغيير من فوق الى تحت. وهذا ما كان يتلاءم مع السياسي المخضرم صائب سلام الذي كان يدعو الى الثورة من فوق، واعتقاداً منه ان الثورة من تحت، تمهد لحرب لا هوادة فيها، بين السياسيين ولا سيما بين الأحزاب السياسية والكثير من رواد التغيير الصاخب الذي يسود معظم أهل السياسة في البلاد.
بعد رحيل صائب سلام الى سويسرا، في منتصف ايام الحرب، سمع دعوة من الرئيس الجديد للحكومة الى التغيير في الوزراء، بعد بروز دور الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فاتصل به، ونصحه بالتغيير الهادىء لا الصاخب لأن البلاد بحاجة الى نظام هادىء يقود الناس الى التغيير لا الى النسف، والى التجديد وترميم الحياة السياسية بدلاً من الثورة عليهما.

وأعاد صائب سلام قصة نشوء لبنان السياسي، وتداول السلطات بين أهل السياسة، ولا سيما بين الموارنة والشيعة والسنّة، والأسباب التي أملت على البلاد، اعطاء صلاحيات ممتازة الى مركز محافظ بيروت، ولا سيما عند تعيين الاستاذ فيليب بولس محافظاً لبيروت بعدما شغل مناصب نيابة رئيس مجلس النواب ونيابة رئاسة مجلس الوزراء، وتعيينه وزيراً في أكثر المراحل، وقال للرئيس الحريري ان فؤاد شهاب، سواء كنت تحبه أم لا، نصح فيليب بولس بموقع محافظ مدينة بيروت، لتستقيم الأمور في البلاد، ولأنه لا بد من اعطاء الطائفة الارثوذكسية منصباً يتلاءم مع دورها القيادي في البلاد.
ومنذ ذلك الحين توقف الرئيس رفيق الحريري عن اقتراحه الهادف الى تعيين مدير عام لبلدية بيروت.
في الأسبوع الفائت، برزت في لبنان دعوة شاملة الى اجراء انتخابات نيابية في الربيع المقبل، وكان اعلان الرئيس سعد الحريري لوائحه الانتخابية يوم الاحد الماضي فرصة لتجديد الحياة السياسية في لبنان، وكذلك فعل حزب الكتائب اللبنانية برئاسة النائب سامي الجميل، ثم كرت سبحة الترشيحات لتشمل حزب القوات اللبنانية برئاسة الدكتور سمير جعجع والتيار الوطني الحر بقيادة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل العائد حديثاً من رحلة حملته الى اوستراليا.
ويقول النائب باسم الشاب، وهو من أكثر الوجوه التي عرفها البرلمان، وعرف معها معنى التجديد السياسي، ان الترميم في النظام افضل انواع التغيير المتاحة، لأن الحياة السياسية في لبنان تتطلب الترميم قبل التغيير، ولأن النظام البرلماني هو من أفضل الأنظمة الملائمة للبنان، خصوصاً بعد التباينات العديدة التي عرفتها الحياة السياسية.
وفي رأي النائب العائد الى المجلس النيابي وعلى لائحة تيار المستقبل ليس عيباً سياسياً، بل هو عودة الى المناخ السياسي السليم، لأنه الخطوة التي لا بد منها لإصلاح الوضع السياسي مما اعتوره من حراجة، استعاد بعدها قوة البقاء والاستمرار.
كان المدير العام لوزارة الخارجية والمغتربين يردد أمام الرئيس العماد ميشال عون، ان في لبنان قضايا يختلط فيها الاصلاح بالرغبة الملحة بالتغيير، لكن الترميم يمهد لقيام بنية قوية في النظام السياسي، مؤهلة لسلطة لا تتسلط على الناس، بل تنصفهم.
وفي الأسبوع الحالي، عرفت البلاد فرصاً نادرة للإصلاح السياسي، يؤمل أن يفيد منها الجميع، بغية الوصول الى صيغة سياسية تنعش الظالمين ولا تفتك بالحاكمين.
هل يتحقق ذلك قبل الربيع المقبل أم ان الوطن بحاجة الى الترميم السياسي، لا الى التغيير؟
ويقول الرئيس نبيه بري، ان لبنان بحاجة الى الأمرين معاً، وان التغيير لا يمكن أن يتحقق قبل الترميم في كل المواقع السياسية التي أصابها الإهتزاز في أثناء تراكم الأزمات في مختلف المرافق العامة والخاصة.
وفي رأيه ان المعالجات الصادقة، البعيدة عن المصالح، كفيلة بايصال معظم البنى الفوقية والتحتية الى مساحة عادلة بين أهل الوطن.
    قرأ هذا المقال   230 مرة
غلاف هذا العدد