إختر عدداً من الأرشيف  
لبنان

هل ينجح الوزير مروان حمادة بحكمته وديناميته في إنقاذ المثلث التربوي؟
المعلمون يعتبرون أنهم مشمولون بالسلسلة، المدارس الخاصة لا تقرُّ بهذا الحقّ إلا بشرط زيادة الأقساط، الأهالي يرفضون الزيادة... فيردُّ المعلمون بتعطيل المدارس.
في خلاصة هذه الدوامة، إذا مُنِحت مكتسبات السلسلة للمعلمين، فالأهالي يدفعون الثمن من تعبهم، وإذا لم تُمنَح فالتلامذة يدفعون الثمن من مستقبلهم... وكذلك المعلمون الذين يعتبرون أنهم باتوا مظلومين بعد منح مكتسبات السلسلة للقطاع العام. وفي كل الأحوال، تقف المدارس الخاصة بالمرصاد في وجه أية محاولة لمنح السلسلة مجاناً أي من دون زيادة الأقساط. وتقول إنها في وضع اقتصادي دقيق، وأرباحها تقلصت بشكل لافت. فإذا أقرت الزيادة بلا مردود، فقد يواجه العديد من المدارس حالات من الإفلاس.
المشكلة بالتأكيد هي أن سلسلة الرتب والرواتب أقرت من دون دراسة علمية دقيقة وشاملة. فقد طغت المزايدات والمصالح الشخصية والفئوية على مسار هذا الملف. وبات مطلوباً اليوم اجتراح العجائب لإنقاذ المثلث التربوي من مأزقه: المعلمون وأصحاب المدارس والأهالي. وليس في الأفق سوى عامل إيجابي واحد يمكن الاتكال عليه في هذا المجال، هو الدينامية والحكمة التي يتمتع بهما وزير التربية الخبير والمجرَّب والكفوء مروان حمادة.
فمن حظ هذا المثلث أن يكون الملف تحت رعايته، فلا يأتي الحل لمصلحة طرفٍ وعلى حساب آخر، مع أن معالي الوزير، لشدّة التعقيدات التي تدفع الناس إلى الضياع، وصف المثلث بأنه مثلث برمودا! وكشف أنه أرسل مشروع قانون معجل بجدولة القانون 46 بالنسبة للتعليم الخاص، يشترط توزيع الزيادات للأساتذة بطريقة مدروسة. وهذا ما قد يشكل الحل الذي يرضي الجميع. وربما هذا ما راهن عليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عندما وعَد بتسوية للملف قبل نهاية الشهر الجاري.
وصلت الأزمة إلى ذروتها بين نقابة المعلمين في المدارس الخاصة واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، مع استمرار رفض الاتحاد تطبيق بنود من القانون 46، خصوصاً دفع الدرجات الست للمعلمين، وعدم توقيع ممثل الاتحاد في صندوق التعويضات والتقاعد لأفراد الهيئة التعليمية على معاملات المعلمين الطبية ومعاملات المحالين على التقاعد، ما دفع المجلس التنفيذي لنقابة المعلمين في لبنان الى رفع الصوت والتلويح بإضرابات مستمرة وصولاً إلى الإضراب المفتوح، ما يرتب أزمة بين المدارس والأهالي والمعلمين. وقد دعت النقابة الجمعيات العمومية إلى الانعقاد في مراكز فروع النقابة في بيروت والمحافظات للتصويت على اقرار الاضراب العام.

وتحرك اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة أيضاً، فدعا اهالي التلامذة إلى المشاركة في مسيرة الثالثة والنصف بعد ظهر السبت تأييداً لمواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الداعمة للأهل في المدارس الخاصة، تحت شعار رفض تحمل أية زيادة على الأقساط المدرسية بعنوان مسيرة نحو قصر بعبدا - قوتنا في وحدتنا.
في هذا الخضم، تقاطعت المعلومات عن فرض عدد من المدارس الخاصة زيادات على الأقساط راوحت بين مليون ليرة لبنانية ومليونين ونصف مليون ليرة للتلميذ الواحد. وتتجه لجان الأهل الى التصعيد وتنفيذ اعتصامات واضرابات رفضاً للزيادة، في وقت لم يتبلور بعد اقتراح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون القاضي بمساهمة الدولة في دفع فروق الزيادات للمعلمين في المدارس الخاصة وفق خطة شاملة، فيما يصر المعلمون على ضرورة تطبيق القانون 46، طالما التزمت به مدارس كثيرة وسددت المتوجب عليها من زيادات ودرجات ومفعول رجعي، وأرسلت جداولها الى صندوقي التعويضات والتقاعد متضمنة الزيادات المطلوبة.
ويتجه المجلس التنفيذي لنقابة المعلمين الى تصعيد شامل، ففي جلسة عقدها برئاسة النقيب رودولف عبود وحضور اعضاء المجلس ورؤساء الفروع، طلب من وزارة التربية الكشف عن التدقيق في موازنات المدارس الخاصة عن السنوات الخمس السابقة، واعلان النتيجة للرأي العام، حيث أن عدداً كبيراً من هذه المدارس وبحجة دفع سلسلة الرتب والرواتب زادت أقساطها بشكل عشوائي خلال السنوات الخمس الماضية وبنسب تفوق المئة في المئة. كما طلب من مصلحة التعليم الخاص في الوزارة رفض تسلم أية موازنة من أية مدرسة اذا لم تكن موقعة وفق الأصول من لجنة الاهل استنادا لاحكام القانون 515/96.
ودعا المجلس ممثلي افراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة في مجلس ادارة صندوقي التعويضات والتقاعد تعليق عضويتهم في مجلس الادارة لحين تطبيق القوانين. ولن يكون ممثلو المعلمين في مجلس ادارة الصندوق شهود زور بعدما تأكد للجميع أن اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان يعمد الى شل هذا المرفق الحيوي للمعلمين واذلالهم والنيل من كرامتهم، وتمرير قرارات لافادة أصحاب المدارس الخاصة من الديون المتراكمة عليهم لصالح الصندوق وحرمان المعلمين من أبسط حقوقهم من تعويضاتهم وتقاعدهم.
وطلب أيضاً من ادارة صندوقي التعويضات والتقاعد، تحصيل الديون المتراكمة على المدارس تطبيقاً لاحكام القانون، لا سيما المادة 21 من قانون ١٥/٦/١٩٥٦ بكل مندرجاتها، بما في ذلك تحصيل هذه الديون كديون ممتازة بعد دين الدولة.
ودعت النقابة وزارة المال التمنُّع عن تسلم تصاريح ضريبة الدخل على رواتب المعلمين من المدارس الخاصة اذا لم تكن مطابقة لاحكام القانون ٤٦/٢٠١٧. كما طلب من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، التمنع عن تسلم البيانات الصادرة عن المدارس الخاصة لجهة الافادة من التقديمات الصحية.
وأكد مجلس النقابة على متانة العلاقة مع لجان الأهل، لافتاً إلى أن اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة تعمُّد اذلال المعلمين وقهرهم وعدم دفع رواتبهم استناداً إلى القانون، وبعدما تعمد البعض الآخر الاقتصاص من المعلمين بطرق مختلفة بسبب التزامهم قرار نقابتهم الاضراب، وبعد تمنع هذا الاتحاد من خلال ممثله في مجلس ادارة صندوقي التعويضات والتقاعد من التوقيع على صرف تعويضات وتقاعد المعلمين، وبعدما التزمت النقابة بوعودها لوزير التربية بعدم التحرك خلال الاعياد على أمل أن يتمكن من تحقيق ثغرة في جدار اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان من دون الوصول معهم الى حل.
وبعدما أصبح المعلمون في بعض المدارس الخاصة رهينة قرارات تعسفية من ادارات هذه المدارس، وبعدما وجدت النقابة ان الحوار مع اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان مضيعة للوقت، دعا المجلس الجمعيات العمومية للانعقاد في مراكز فروع النقابة في بيروت والمحافظات لإقرار توصية بإعلان الإضراب العام لجميع معلمي المدارس الخاصة يوم الأربعاء في 24 الجاري، واعتصام المتقاعدين أمام وزارة التربية في 30 الجاري، وإعلان الإضراب ايام الاثنين والثلاثاء والاربعاء في 5 و6و7 شباط/فبراير المقبل، وتفويض المجلس إعلان الخطوات التصعيدية اللاحقة وصولاً إلى الإضراب المفتوح.

خياران موجعان
الأرجح في أزمة المعلمين في المدارس الخاصة أن هناك خيارين، وكلاهما موجعان:
1 - أن تتكفل الدولة بجزء من الأكلاف. وهذا الخيار يؤيده أصحاب المدارس الخاصة والمرجعيات الدينية المعنية بالقطاعات التعليمية الخاصة. وحتى اليوم تلتزم نقابة المعلمين الصمت تجاهه.
2 - تقسيط الدرجات الست الاستثنائية للمعلمين على ثلاث سنوات، وهو ما ترفضه النقابة. لكن وزير التربية مروان حمادة يأمل في إقرار هذا المَخرج في الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء المخصصة للقضايا التربوية التي تمكن من إقناع الجميع بعقدها قريباً.
وكان حمادة أودع الأمانة العامة لمجلس الوزراء مشروع قانون معجل يرمي إلى تحديد كيفية تطبيق المدارس الخاصة لأحكام قانون السلسلة. ويتضمن المشروع مادة وحيدة تنص على تحويل رواتب أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة اعتباراً من ١/١٠/٢٠١٧ وفق أحكام الجدول 17من قانون السلسلة، فيما تستحق الدرجات الاستثنائية المنصوص عليها في المادة 9 من قانون السلسلة اعتباراً من ١/١٠/٢٠١٧ وتضاف هذه الدرجات إلى الرواتب المحولة وفقاً للآتي: درجتان استثنائيتان في ١/١٠/٢٠١٧، درجتان استثنائيتان في ١/١٠/٢٠١٨ ودرجتان استثنائيتان في ١/١٠/٢٠١٩، على أن تلحظ كل مدرسة خاصة في موازنة العام الدراسي 2020 - 2021 الفروقات التي تستحق لذوي الحق من أفراد الهيئة التعليمية لديها بست درجات اعتباراً من تاريخ استحقاقها في ١/١٠/٢٠١٧.

هواجس الأهالي
وتنتاب الأهالي هواجس الوقوع ضحية التسوية، أياً تكن طبيعتها. لكن وزير التربية يجهد لإيجاد حل متوازن يريح الجميع. فالأهل هم الجهة التي ستدفع الأكلاف، خصوصاً إذا كانت الزيادة على الأقساط المدرسية كبيرة وقد تلامس مليون و800 ألف، كما عممت عليهم بعض المدارس، وإذا لم يتم تقسيط الدرجات الاستثنائية. وتبدو لجان الأهل مصرّة على مواجهة هذا الخيار، سواء برفض الزيادة والامتناع عن توقيع الموازنات المدرسية أو بعدم المطالبة بالتدقيق في موازنات المدارس.
وتقول ميرنا الخوري، رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية إنّ الحل الأفضل والأسرع هو أن تدعم الدولة رواتب المعلمين، وقد وعدونا بأن ذلك يمكن أن ينجز بسرعة قصوى وهو يحتاج فقط إلى موافقة مجلس الوزراء. وهذا مجرد حل آني لنمرر السنة الدراسية، وسنتصدى في المقابل للزيادات من خلال إجراءات عملية وموجعة، لا سيما عندما نطلب من الأهل عدم دفع أية زيادة ناجمة عن السلسلة، وسنمتنع عن توقيع الموازنات. وفي رأيها أن عدم التوقيع سيكون خطوة أولى على طريق فتح وزارة التربية لموازنات المدارس ودراسة حلول جذرية.

مستتبعات تحميل الدولة
ويطرح الخبراء أسئلة عن قدرة الدولة على توفير المبالغ اللازمة إذا تم تحميل الدولة أعباء السلسلة. فإذا كان متوسط الزيادة على التلميذ 500 ألف ليرة، وإذا كان عدد التلامذة في المدارس الخاصة غير المجانية يقارب ال560 ألفاً، فإن المبلغ الذي ستدفعه الدولة هو في الحد الأدنى 280 مليار ليرة. فهل ستتم تلبية هذا الطلب سريعاً من الموازنة؟
وثمة من يعتقد أن مثل هذا المشروع لن يتحقق قبل سنتين، وسيحمل الأهل القسم الأكبر من المستحقات والمعلمين الجزء الثاني. ولذا يُطرح تجميد الأقساط بقرار من وزارة التربية، ووضع آلية لدفع الزيادات على رواتب المعلمين مع الدرجات الست الاستثنائية من دون زيادة الأقساط، تفعيل دور صندوق التعويضات الذي يجب أن يصدر بيانات المعلمين مع الرواتب في كل مدرسة، إعداد لجان الأهل دراسة علمية وتفعيل رقابة وزارة التربية وتكليف مدققين اذا اتضح أن هناك تلاعباً في الموازنات، وممارسة لجان الأهل لصلاحياتها في البحث عن أموال بند مساعدة التلامذة المحتاجين في الموازنة، والمتراكمة على مرّ السنين.
كما أن دعم الدولة ومساهمتها في الأعباء يرتبان وضع يدها على الموازنات، وهذا ما يرفضه اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة بل إنه، بحسب الحملة، يحرّك اتحادات لجان الأهل لدعم فكرة البطاقة التربوية أو تولي القطاع الخاص التعليم نيابة عن الدولة.

اللقاء في بعبدا
وأبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اعضاء وفد لجان الاهل في المدارس الخاصة، الذين استقبلهم في قصر بعبدا، انه اتفق مع الرئيس سعد الحريري، وبالتنسيق مع الوزير حماده، على عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء يتم في خلالها درس عدد من القضايا التربوية ومن بينها الخلاف الناشىء حول رواتب المعلمين وزيادة الاقساط المدرسية وما يتفرع عنها.
وخلال اللقاء، أكد الرئيس عون لأعضاء الوفد انه يتابع عن قرب جميع الملابسات التي رافقت اقرار سلسلة الرتب والرواتب وانعكاساتها على القطاع التربوي، وانه تدارس مع المعنيين اقتراحات عدة لايجاد الحل المناسب من بينها: فكرة جدولة الرواتب، وتوزيع الأعباء المترتبة على الأطراف الأربعة: الدولة والمدارس والمعلمين والاهالي، اضافة الى اقتراح ثالث ينطلق من مجانية التعليم وضرورة تمويل الدولة له. وأشار الى ان هذه الأفكار ستكون موضع بحث في هذه الجلسة الاستثنائية، معرباً عن امله في ان تصدر عنها مقررات تريح جميع الاطراف المعنية بالأزمة، مضيفاً: سيحرص شخصياً على الخروج باتفاق حول النقاط العالقة.
ونظمت اتحادات لجان الأهل في المدارس الخاصة مسيرة الى القصر الجمهوري تأييداً لمواقف رئيس الجمهورية الداعمة للاهل في المدارس الخاصة ورفضا لتحمل اية زيادة على الاقساط المدرسية. وبعد اللقاء، تحدّث منسّق لجان الاهل في المتن الشمالي عبدو جبرايل فأوضح ان الرئيس عون سيكون لديه الحل قبل 31 الشهر الحالي. ونحن نبشر الجميع من مدارس واساتذة وطلاب ان حقوقنا لن تكون مهدورة بعد اليوم طالما فخامة الرئيس عون موجود معنا.
إذاً، يبدو ملف المعلمين والأقساط في المدارس الخاصة متأرجحاً بين اتجاه التصعيد والإضرابات المفتوحة، وأولها في 24 الجاري، واتجاه الحلحلة الذي وعد به الرئيس عون. والجميع يعوّل على حكمة الوزير مروان حمادة لإيجاد المخرج المناسب والذي ينقذ الجميع.

ط. ع
    قرأ هذا المقال   10593 مرة
غلاف هذا العدد