إختر عدداً من الأرشيف  
لبنان

الرسالة الرعائية ٢٠١٧ ليوحنا العاشر، بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس
دستور روحي حياتي لتجديد الكنيسة
والاستمرار في الروحانية المشرقية التي تشع من منطقتنا لتغمر العالم!
بروح من المحبة الرسولية الصافية، المفعمة بالعلم والاخلاق، خاطب يوحنا العاشر، الكلي الطوبى، بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس، جمهور المؤمنين في كل مكان، من خلال رسالة رعائية شاملة للعام ٢٠١٧. وقد تميّزت لهجة صاحب الغبطة، كالعادة، بالكثير من الواقعية والموضوعية التي لا تهتم الا لخير الكنيسة ولموقع ابنائها في مجتمعهم، حيث أكد، في خمس عشرة نقطة شاملة، على واقع الكنيسة وما حققته في السنوات الماضية من أهداف سامية وضعتها لنفسها، وأخرى لم تتمكن من تحقيقها بسبب الظروف الصعبة والدقيقة التي سادت في المنطقة والعالم. وقد دعا صاحب الغبطة، بأبوّة رسولية عميقة الى تجديد السعي من اجل تحقيق اهداف الكنيسة جمعاء، ان لجهة علاقة التضامن والتعاون بين المؤمنين الذين يتكلمون لغة روحية واحدة، او لجهة ترسيخ التنسيق والتفاهم مع الاشقاء المسلمين في مجتمعاتنا بما يحقق الابعاد المشرقية التاريخية التي امتازت بها الكنيسة الارثوذكسية على الدوام. ولم يكتفِ صاحب الغبطة في رسالته الرعائية هذه، بتناول انجازات الماضي القريب والحاضر المعاش، بل تطلّع برؤيوته المعهودة الى خطة مستقبلية حددها باثنتي عشرة نقطة دعا ابناءه المؤمنين الى التحرك على هديها، من خلال التعمق في علوم العصر وعدم التوقف عند مظاهر التقوى وقشورها والتواصل مع الفقير والمشرّد والبائس ونبذ الخلافات والتحزبات لتمجيد الله بنفس واحدة وفم واحد.
باختصار، ان رسالة غبطة يوحنا العاشر، بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس، هي اكثر من رسالة رعائية. انها دستور روحي/حياتي ينبغي العمل بوحيه من اجل تجديد الكنيسة لتكون ابنة عصرها وتتعمق في العلوم الحديثة تماما كما فعل الآباء والاجداد في زمنهم، بما جعل الروحانية المشرقية الصافية تشع من منطقتنا لتغمر العالم..

وهنا نص الرسالة الرعائية ٢٠١٧ لغبطة يوحنا العاشر، بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس:

رسالة رعائية
بالنعمة ننمو،
وبالخدمة نسمو،
وبالمحبة يتناسق البنيان

برحمة الله تعالى
يوحنا العاشر
بطريرك انطاكية وسائر المشرق
للروم الارثوذكس
الى سائر احبائنا بالربّ يسوع
ابناء الكرسيّ الانطاكي المقدّس، اكليروساً وشعباً
نعمة لكم وسلام من الله الآب، ومن ربنا يسوع المسيح، الذي بذل نفسه لاجل خطايانا
غلا ١:٣-٤

أحبائي،
تذكرون أنني أتخذتُ بالنعمة ننمو، وبالخدمة نسمو، وبالمحبة يتناسقُ البُنيان شعاراً للخدمة البطريركية التي انتدبني إليها الروح القُدُس، من خلال انتخاب إخوتي مطارنة المجمَع الانطاكي المقدس. وقد حاولت من خلال هذا الشعار أن أشدد على كوننا مدعوين، ككنيسة منتشرة في كل المدى الأنطاكي، لأن نقتني النعمة ونُترجمها خدمة في جسد المسيح، كل بحسب الموهبة التي أعطيت له، وذلك بجو من المحبة التي هي وحدها رباط الكمال. كما يعلمنا الرسول، هذا الشعار حاولنا معاً في السنوات الماضية ان نترجمه على ارض الواقع، فنجحنا في الكثير من المرات، وتعثرنا في بعض الأحيان، ولكن سنبقى على الطريق سائرين، لكي نرى كنيسة أنطاكية عروساً للمسيح نقية لا عيب فيها. ولذلك آتيكم الآن بكلماتي هذه، كأعضاء مسؤولين في كنيسة المسيح، بسبب معموديتكم والمسحة المقدسة التي مُسحتم بها، لأضعكم في أجواء شؤون كنيستكم، لتذكروها في صلواتكم، وتعتبروها هاجسا أساسيا من هواجسكم.
١ - نشكر الله الذي اعطانا ككنيسة، روح القوة والمحبة والبصيرة لكي نشهد له في ظل الأوضاع الشاقة التي يعاني منها عالمنا وبلادنا بشكل خاص، والتي جعلتنا نحتمل آلاما كثيرة بسبب حروب الآخرين على أرضنا التي دمرت الحجر وقتلت وهجرت وسحقت البشر.
٢ - يُحزننا أن أيادي الشر قد امتدت الى كنيستنا وخطفت أخانا المطران بولس يازجي متروبوليت حلب، منذ اكثر من أربع سنوات. ويُحزننا أكثر أنه، وبالرغم من مساعينا الكثيرة والمتواصلة مع كل الهيئات والمنظمات الدولية والمحلية، لا نزال حتى الآن بدون أي خبر عنه. فنطلب ان تضيفوا صلواتكم الى صلواتنا ليعيده الله إلينا والى شعبه الحلبي سالما معافى. كما نُصلي من أجل المطران يوحنا رفيقه في الأسر، ومن أجل جميع المخطوفين من كهنة وعلمانيين ونسأل الله ان يقوِّيهم ونطلب من العالم المتحضر ان يلتفت الى مأساتهم ويعمل على فك قيودهم واعادتهم الى أحبائهم سالمين.
٣ - ولقد عانينا معكم من عبثية الحروب التي عصفت بشرقنا وبلادنا، والتي اججتها مصالح كبار هذا العالم. مع ما رافقها من عنف وارهاب ودمار وخراب وتهجير ونزوح وفقر وجوع وقلق على المصير. وقد ضاعفنا جهودنا من اجل اتخاذ المبادرات اللازمة لتثبيت وجودنا وتفعيله في ارضنا والتخفيف من وطأة هذه الظروف القاسية، وما زلنا نعمل مع الخيّرين لمواجهة الحاجات المعيشية لشعبنا، ولضمانة مستقبل شبيبتنا في العيش بكرامة وسلام في أوطانهم. وفي هذا الصدد لم نوفر محفلا دوليا الا ورفعنا فيه الصوت من أجل العمل على إيقاف الحرب المدمرة على سوريا وصون وحدة هذا الوطن. كما حملنا همّ لبنان وشعبه حيثما حللنا، رافعين الصوت عاليا من أجل انتظام العمل الدستوري والمؤسساتي في هذا البلد، ومن اجل نموه ورقيّه.
٤ - وقد جعلنا، بفعل الظروف الصعبة التي نعيشها، من اغاثة المحتاجين أولى أولوياتنا، وما زلنا نوليها الأهمية القصوى في عملنا اليومي. اذ نعمل على صعيد المؤسسات البطريركية وفي الابرشيات على تفعيل خدمة المحبة وايجاد آليات جديدة وأطر مرنة تدعم التعاضد بين أبناء الجسد الواحد، لكي لا يبقى بيننا محتاج أو من يشعر بأنه مقصي عن القلوب في كنيسة المسيح. ونشكر الله على الوحدة الأنطاكية التي تجلت خلال هذه المحنة القاسية، حيث قامت الرعايا والأبرشيات في سوريا ولبنان باحتضان النازحين والمُهجرين من بيوتهم، ورعتهم بمحبة وخففت من آلامهم، كما قامت أبرشيات الانتشار بتجييش كل طاقاتها من أجل خدمة مَنْ وفدوا اليها ودعم العمل الاغاثي الذي تقوم به الكنيسة في الوطن.
٥ - وفي وقت تحول فيه العالم الى قرية صغيرة، أولينا مسألة الاعلام والتواصل حيزاً كبيراً من عملنا. فأنشأنا المركز الأنطاكي الأرثوذكسي للاعلام، واذاعة صوت النعمة، وعززنا حضورنا على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، من اجل نقل البشرى السارة التي تبقى هدف كل اعلام مسيحي. وقد تضافرت جهود أبنائنا من مختلف أنحاء الكرسي الأنطاكي في مواكبة عملنا هذا والعمل على إنجاحه وتعميم الفائدة منه. وهنا لا بد من ان أنوه بالقدرات التي تتيحها لنا وسائل التواصل الحديثة في عملنا البشاري. هذه الوسائل متى استخدمناها حسناً وبما يوافق، تصبح أداة فاعلة وفعّالة للبشارة والشهادة لفرح القيامة ولجمال المسيحية. فحذار ان نحوِّل هذه الوسائل مكانا للتذمر والانتقاد الهدام وتعميم النميمة والافتراء.
٦ - وقد عملنا على تقوية الوحدة الأنطاكية وتفعيلها، فأولينا الشهادة الواحدة للمسيح القائم والمنتصر على الموت في المدى الأنطاكي وسائر المشرق، حيث أرادنا الله ان نشهد له، أهمية كبيرة. فكثفنا لقاءاتنا وعملنا المشترك مع إخوتنا في الكنائس المسيحية الاخرى التي تجمعنا معها وحدة الحياة والمصير.
٧ - وقد كثّفنا عملنا مع إخوتنا المسلمين، شركائنا في الوطن والمصير، من اجل نشر ثقافة السلام والتآخي والعيش المشترك بين الناس، ومن اجل الوقوف معا في وجه كل من يسيء الى الدين ويوظّفه في اشعال الصراعات والحروب.
٨ - وقد سعينا لترسيخ التعاون والتفاعل مع الكنائس الارثوذكسية في العالم، فقمنا بزيارات سلامية لعدد من البطريركيات، وقمنا بزيارة حجّ الى الجبل المقدس آثوس، حيث طلبنا صلوات آباء الجبل لشعبنا، ووضعنا آلامه ومصيره في عهدة السيدة العذراء حامية الجبل والشفيعة الحارة لدى المخلِّص. وقد شاركت وفود من كنيستنا في جميع المناسبات واللقاءات الارثوذكسية المشتركة من اجل تمتين الوحدة والشهادة الارثوذكسية في عالم اليوم. وقد خصّصنا طاقات وجهوداً كبيرةً في سبيل الاعداد للمجمع الارثوذكسي الكبير الذي ينتظر العالم الارثوذكسي انعقاده، الا اننا احجمنا عن المشاركة في المجْمَع الذي عقد في كريت في صيف العام ٢٠١٦، لاسباب بيّناها لكم في حينه. وقد اخذ تعدي البطريركية المقدسية على حدود البطريركية الانطاكية في امارة قطر حيزاً كبيراً من اهتمامنا وجهدنا، فقمنا بمبادرات سلامية متعددة لكي لا نصل الى قطع الشركة بين الكرسيين الرسوليين. ولكن محاولاتنا جميعها اصطدمت باصرار البطريركية المقدسية على الامعان في التعدي. ولم تنفع اتصالاتنا المختلفة مع السلطات الدينية والسياسية المختصة في ايجاد حل لهذا التعدي.
٩ - وقد قمنا في السنوات الماضية بتجديد الجسم الاسقفي الانطاكي ورفده بطاقات شابة متعلمة ومختبرة رعائياً، بعد ان تقاعد عدد من مطارنتنا الشيوخ، وانتقل عدد آخر الى الاخدار السماوية، وقد عبّر اختيار المطارنة الجدد عن الوحدة الانطاكية بأجلى بيان، اذ تم اختيارهم لرعاية ابرشيات غير تلك التي نشأوا فيها. وقد راعى المجمع الانطاكي في عملية الاختيار هذه متطلبات الانجيل، والقوانين الكنسية والانظمة الداخلية للكرسي الانطاكي، بصرف النظر عن اية اعتبارات سياسية او قومية او عرقية. ويفرحنا ان نعلمكم بأن هؤلاء الاخوة يقودون العمل في ابرشياتهم الجديدة من اجل اضافة مداميك جديدة على تعب اسلافهم، وان الشعب المؤمن يلتفّ حولهم ويعضدهم في عملهم.
١٠ - وقد ترافق انتخاب هؤلاء الاخوة مع تنشيط العمل المجمعيّ. فنحن كنيسة واحدة ولسنا اتحاداً بين ابرشيات مختلفة تتجاور ولا تلتقي. فالمجْمَع المقدس هو مكان لقائنا والمطران ينقل اليه فكر الكنيسة التي يرأسها، وشهادة الأبرشيات مجتمعة تشكل فكر الكنيسة الواحدة في انطاكية. فالمطران يُنتخب في المجمع، ويعيش في المجمع حيث يُراقِب ويراقَب ويُحاكم في المجمع متى خالف الإيمان. وهذا الفكر تسلمناه من الرسل الذين أوصوا بأنه يجب على أساقفة كل أمة أن يعرفوا الأوَّل بينهم، وهو يرشدهم كرأس لهم، فلا يقدموا على أمر هام غير معتاد بدون رأيه، بل فليدبر كل واحد منهم فقط الشؤون العادية في أسقفيته والبقاع المنضوية تحتها. ولا يقدمن الأول كذلك على شيء بدون رأي الجميع، وهكذا يتحقق الوئام ويتمجد الله، بواسطة السيد في الروح القدس، الأب والابن والروح القدس القانون ٣٥ الرسولي.
١١ - والفكر الواحد الذي تصوغه الكنيسة مجمعياً، نترجمه جميعنا اكليروساً وعلمانيين، كما يوصينا الرسول، من خلال قولنا قولاً واحداً، اي بمعنى آخر من خلال تجذرنا في الاستنارة الروحية وسعينا لاقتناء النعمة وترجمته تعليماً مستقيماً وأفعال خدمة ومحبة أخوية.
١٢ - والفكر الواحد نترجمه ايضاً من خلال وحدتنا وتعاضدنا اللذين يسمحان لنا بتحقيق رغبة ربنا الذي ارادنا ان نحب بعضنا بعضاً كما احب هو الآب، ويشكلان شرطين أساسيين لا غنى عنهما البتّة، لدعم وجودنا والحدّ من هجرة الطاقات التي تواجهها بلداننا وكنيستنا. وفي هذا الصدد عملنا، وما زلنا نعمل على توطيد التعاون أيضاً مع اخوتنا في بلاد الانتشار، رسل الفكر والتراث الأنطاكي الى العالم أجمع، فهؤلاء قد نقلوا التزامهم المسيحي الى البلدان التي وفدوا اليها، وبنوا كنائسهم بالتزامن مع بناء بيوتهم، وما زال ارتباطهم الوثيق بأنطاكية، كنيستهم الأم يقوِّينا ويشددنا ويقويهم ويشددهم ايضاً. وما زلنا نرى فيهم رسولية كنيسة أنطاكية التي تتفتح على العالم وتبشره، وتغتني بالطاقات التي تنضم اليها من مؤمني الدول والقارات التي تتواجد فيها. فلغة أنطاكية الواحدة صارت يُعبر عنها بلغات العالم الكثيرة. وستبقى تدعو الى التجذر في التراث والتقليد ومده الى العالم اليوم بانفتاح يترجم اخلاصنا للسيد الذي أمرنا أن ننقل بشارته السارّة وسلامه الى أقاصي المسكونة.
١٣ - والسعي لأن يكون لنا فكر واحد يكون من خلال السعي الدائم الى تذليل العقبات التي تعترض مسيرتنا بالشورى والتفاهم، والاحتكام الى رأي الجماعة في بناء التوافق والوحدة ضمن الاختلاف، فالحياة في الكنيسة تقوم على التشاور لا على التفاوض.
تقوم على التكامل لا على التناحر. تقوم على المواجهة الصريحة لا على المجابهة المدمرة. تقوم على الغفران لا على تسمير الآخر على اخطاء ارتكبها. تقوم على المكاشفة لا على محاكمة النوايا. تقوم على التضحية والبذل لا على توزيع المكاسب والمنافع.
١٤ - ولذلك لا بدّ لنا من التزام هذه الروحية في علاقاتنا، لتقوية عرى وحدتنا، هذه الوحدة التي تبدأ بالتفاف كل رعية حول راعيها، والاهتمام معه بتنمية الرعية بكل قضاياها بشفافية كاملة. وهذه الوحدة التي تعاش على صعيد الأبرشية حيث يساهم المؤمنون مع أسقفهم وبرئاسته في بناء قدرات الأبرشية الروحية والمادية، وتنمية الحياة فيها بروح التعاون والمشاركة. وهذه الوحدة التي يتوجها المجمع الأنطاكي المقدس بعمل مشترك لفائدة الكنيسة الانطاكية الواحدة، وتمتين وحدتها وتفعيل شهادتها في عالمنا اليوم.
ان ما سبق يشكل الروحية التي صيغت على أساسها انطمتنا التي أُقرت في مطلع السبعينيات، والتي تلحظ تأليف مجلس لكل رعية، وتشكل مؤتمر في كل أبرشية، يتمثل فيها الكهنة والرهبان والعلمانيون، ينبثق عنه مجلس منتخب للأبرشية، والتي لحظت أيضاً عقد مؤتمر عام لطاقات الكرسي الأنطاكي، هذا المؤتمر الذي قمنا بعقده في العام ٢٠١٤.
لقد حالت أوضاع كثيرة، هنا وهناك، دون تأليف الهيئات التي نصّ عليها النظام الداخلي للكرسي بشكلها الكامل، مما قلّص من المشاركة الفاعلة لأبناء الكنيسة في ادارة شؤون رعاياهم وأبرشياتهم. ولقد دفع هذا الامر بالكثيرين الى التشكي من هذا الواقع، او التكتل في هيئات موازية للتعبير عن رأيهم. لذلك لا بدّ لنا ككنيسة من أن نتجاوز هذا الخلاف على القوانين الذي تعرفه كنيستنا منذ الخمسينيات وان ننصرف الآن الى توطيد وحدتنا وتوحيد كلمتنا من خلال انشاء الهيئات التي تنصّ عليها انظمتنا، ومن خلال وضع قرارات المؤتمر الأنطاكي الأخير وضع التنفيذ. لقد مرّ على إقرار أنظمتنا ما يقارب الخمسين سنة، وقد أصبحت بلا شك بحاجة الى تعديل واستكمال بحيث تواكب النهضة التي نرنو اليها جميعنا على صعيد الكرسي الأنطاكي. ولكن محك صدقنا جميعاً يبقى في التزامنا الآن تنفيذ الأنظمة المعمول بها ومراكمة الخبرات التي تفيدنا في أي تعديل نقوم به في المستقبل، لأن القوانين إنما توضع لتُخلص الجماعة من المزاجية والفردية.
١٥ - ولقد ترجمنا الفكر الواحد الذي يجمعنا قولاً واحداً في مقاربتنا للمواقف الإنسانية التي طرحت على ضمير كنيستنا في الوطن وبلاد الانتشار. وقد عملنا حيثما وجدنا لمنفعة الانسان، كل انسان، ولمنفعة الانسانية جمعاء. وقد حرصنا على ألا ندخل في مقاربات سياسية تعتمد لغة أبناء هذا الدهر، وألا نملي على أبنائنا مواقف سياسية محددة. بل عملنا حيثما حللنا على توجيه أبنائنا لتعميد فكرهم السياسي والتزامهم الوطني بحق الإنجيل وبالمحبة المسيحية الباذلة والمُنقذة للجميع.
لقد سُقتُ ما تقدم لأقول لكم فرحي بما حققناه معاً. ورغبتي بأن تتضافر جهودنا في المستقبل، وبمحبة، لكي يكتمل البُنيان ويصل الى ملء قامة المسيح. وإني لاشكر الله الذي أرسل لنا رُعاة يحبون كنيستهم ويعْلون مصلحتها ووحدتها فوق كل شيء، ومؤمنين يشهدون لفرح القيامة، ويعملون لتجديد الكنيسة، كلٌّ وفق ما أعطي من موهب وَوَزَنات.

أيها الأحباء،
أعرف ان عالم اليوم ينتظر مِنّا كلمة حياة، وأن الإنسان اليوم بحاجة ماسة الى علاج شافٍ لا تعطيه إلا شهادة الذين قاموا من الموت مع ربهم. هكذا فعل آباؤنا من قبلنا لما نقلوا تقليدنا الحي الى لغة عصرهم، وهكذا علينا ان نفعل نحن اليوم لذلك.
١ - تعالوا نتعمق في علوم عصرنا، لننقل اليه الرسالة الأبدية بلغة جديدة تُحاكي متطلباته.
٢ - تعالوا نعمل معا لاعادة تبشير أبنائنا، ولا سيما هؤلاء الذين يبتعدون عن الكنيسة بسبب الدهرية الجارفة.
٣ - تعالوا ننقل الى بعض فئات شبابنا الذين ما عادوا يتزوجون في الكنيسة، وبعضهم ما عاد يُعمد اولاده، معنى سرّ الحب وسرّ الجماعة.
٤ - تَعالوا ندخل الى عمق فكرنا اللاهوتي ولُبّه، غير متوقفين عند مظاهر التقوى وقشورها، فنرشد العالم الى إلهنا الحي والمحيي، إله الحرية والمحبة، الذي يحبنا حبّاً عظيماً والذي يُريدنا ان نصير آلهة بالتبني.
٥ - تعالوا نُشارك العمل الإلهي ونصيِّر العالم كنيسة والارض سماء.
٦ - تعالوا نفعِّل حضور الله حيثما وُجدنا وفي أي عمل نقوم به، ليعرف العالم أننا تلاميذ المُعلم.
٧ - تعالوا نمد المذبح الى خارج الكنيسة، حيث الفقير والمشرد والبائس والحزين بحاجة لعنايتنا ومحبتنا المنجيّة من الموت.
٨ - تعالوا لا نكتفِ باقامة الصلوات، بل نجعل من حضورنا في التاريخ صلاة يومية تنجيّ العالم والتاريخ.
٩ - تعالوا نبتعد عن أساليب العالم، ولا نجعلها تتسلل الى حياتنا الكنسية، فلا نخلق اعداء نضفي عليهم قلقنا، لأن المسيح لا يعرف العداوة، بل قد أوصانا قائلا: أحبوا بعضكم بعضاً.
١٠ - تعالوا ننقّ قلوبنا لكي تصبح تربة خصبة تنمو فيها كلمة الله وتثمر قلا تجف ولا يخنقها الشوك.
١١ - تعالوا نشهد لقربنا من يسوع ولفرح الانجيل يملأ قلوبنا ويُغير حياتنا ويحررنا من الحزن والهم والفراغ والعزلة.
١٢ - تعالوا نقُل جميعنا قولاً واحداً، وننبذ الخلافات والتحزُّبات التي تفرقنا، بل لنكن مكتملين بفكر واحد ورأي واحد، ومتفقي الآراء فيما بيننا بحسب المسيح يسوع لكي نُمجد الله بنفس واحدة وفم واحد.
    قرأ هذا المقال   6744 مرة
غلاف هذا العدد