إختر عدداً من الأرشيف  
رؤوف شحوري

نقطة الضعف ونقطة التحول
الاعوجاج الحاد في الاستراتيجية الأميركية ناجم عن أمرين. الأول، هو أنها تقوم بالفعل الهجومي ولكنها تخطئ في حسابات ردّ فعل الجهة المعتدي عليها. والأمر الثاني، هو انها تفترض سلفا ان الرد سيكون في مقدورها احتواؤه أو صدّه بوصفها القوة الأعظم في العالم. ومع ذلك فقد أثبتت التجارب السابقة ان أميركا أصيبت بهزائم مريرة ومذلة حتى بعد احتلالها لدولة هشة في حينه مثل العراق، واختارت المغادرة بارادتها في عهد أوباما من الباب العريض، مع رغبتها الدفينة بالعودة من الشبابيك والنوافذ لاحقا! وهي أمرت اسرائيل في عهد الرئيس بوش الإبن بشنّ الحرب على لبنان ظنا منها بأنه الحلقة الأضعف، ولكن الجيش الاسرائيلي خرج من تلك الحرب مهزوماً ومثخناً بالجراح!
كانت الولايات المتحدة الأميركية هي الدافع الأهم الى تقسيم كوريا الى جنوبية وشمالية، ولتتخذ من كوريا الجنوبية قاعدة عسكرية وسياسية لها تنطلق منها للهيمنة على جنوبي آسيا، أو لتأديب من يتمرّد عليها. وها هي اليوم تواجه تحدياً مريراً من كوريا الشمالية. وفعلت أميركا كل ما في وسعها طوال عقود لخنق كوريا الشمالية، واضعافها وإفقار شعبها بالحصار والعقوبات، وكانت النتيجة ان كوريا الشمالية انتزعت عضويتها في النادي النووي الدولي، ووصلت الى حدّ انتاج قنبلتها الهيدروجينية! وما لم تتمكن أميركا من تحقيقه طوال عقود، لن تكون قادرة على تحقيقه اليوم أو غدا...

كان الهدف الأميركي من وجودها في كوريا الجنوبية أن تكون قاعدة قريبة لصواريخها من الصين! وحققت أميركا اختراقا في أوكرانيا لتحقيق الهدف نفسه بالنسبة الى روسيا! غير أن ردّ الفعل على هذه العدوانية الأميركية، جاء ذكيا وماكرا واستراتيجيا بما لا يخطر لأميركا على بال! وبينما تقوم أميركا باستفزازات وازعاجات آنية ويمكن تحمّلها، جاء الردّ بانشاء منظومة البريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. ولما كانت أميركا تحاول الهيمنة على الاقتصاد العالمي بواسطة الدولار والبنك الدولي وبنك النقد الدولي، فقد أنشأت منظمة البريكس ما يشبه بنك تنمية دوليا خاصا بها يقيها صدمات الحصار والعقوبات، والعدوانية الأميركية. وهي في الطريق الآن لابتكار عملية دولية مشفّرة تنافس الدولار في العالم!
كانت الاستراتيجية الأميركية تحلم باقامة الشرق الأوسط الكبير أو الموسّع وفقا لرؤيتها في تقسيم المقسّم، وتفتيت المفتت. وها هو اليوم الشرق الأوسط يتشكّل من جديد ويعود الى النهوض من بين الرماد، على أنقاض الهيمنة الأميركية، واتساع النفوذ الروسي على أساس من التكافؤ واحترام الآخر، والاعتراف بالمصالح المتبادلة والمتوازنة. وما أراده الأميركيون بضرب سوريا وجعلها نقطة الضعف في الشرق الأوسط، يتحوّل الى النقيض، ويجعل من سوريا نقطة التحوّل في المنطقة!
    قرأ هذا المقال   247 مرة
غلاف هذا العدد