إختر عدداً من الأرشيف  
فؤاد دعبول

الحكم بين الانفتاح والانغلاق
كان الأسبوع الفائت صعباً، ثمة سلسلة رتب ورواتب تلتف حول أعناق اللبنانيين، وهناك ضرائب تحدّق بهم، ان فرضوها، وان هددوا بها، واللبناني يريد ان يعيش، وان يأكل ويشرب، وليس ثمة شيء سهل بوجود الضرائب.
طبعاً، الوضع صعب، والضرائب ان فرضت دفعت الناس الى الهاوية، وان تراجعت راجت احتمالات العجز في خزينة الدولة.
الا ان الأمل في حياة كريمة، ضئيل، والقليل من الماء يبعد الظمأ عن الناس، لكنه لا يجعل خطر الانهيار ينحسر عن المواطنين.
وقف الرئيس العماد ميشال عون في دير مار شربل - عنايا، وحذر المواطنين من لعبة الانهيار والانبهار داعياً الى الحكمة في التعامل مع قصة الضرائب.
ووقف الرئيس نبيه بري ومعه النائب وليد جنبلاط يحذران من صراع الضرائب، ويدعوان الى حكمة في التعاون على هضم الكوارث قبل الاستسلام للمصائب المتربصة بالمواطن.
الا ان رئيس الحكومة سعد الحريري، كان يعرف ما يحدق في البلد من كوارث، خصوصاً بعد تفاقم الاجتماعات على مقتل السوريين الاربعة أثناء التحقيق معهم لدى الجيش اللبناني. همه الأول والأخير سلامة الوطن لا سلامة الأشرار.
والرئيس سعد الحريري يستعد للسفر الى الولايات المتحدة الأميركية، على ان يعود منها وبيده حلول لا يمكن تجاهلها، وفي العالم، كما في المحيط الاقليمي، مشاكل وقضايا تتعلق برهافة الحرية وصرامة الوقوف الى جانب الدولة، لا في صفوف الدويلة.
وقف نواب ورجال قانون وقادة رأي في رحاب ازمة تبحث عن رجال حل، لا عن أشباه الرجال.

في العام ١٩٥٩، كانت الأزمة تدور بين الرئيس كميل شمعون والأستاذ كمال جنبلاط، وكان لكل منهما اسبابه الخاصة والعامة للتحالف او التخاصم، لكن الحل الوحيد كان شعور كل منهما، بأن الحل هو الخيار الأفضل، لأن الحوار هو التمهيد للانتصار على الأزمات.
في العام ١٩٥٧، طلب كمال جنبلاط من أنصاره في المختارة، ان يذهب وفد منهم معه الى دير القمر معقل رئيس الجمهورية، للوقوف على ما عنده من أفكار وحلول للأزمة، قبل طي آخر فرصة للانتصار على أزمة الاحتضار.
كان كميل شمعون يريد التحكيم بين التجديد واللا تجديد، في حين كان كمال جنبلاط يريد العودة الى ميثاق الجبهة الاشتراكية التي أوصلت زعيم دير القمر الى رئاسة الجمهورية.
وعندما عاد جنبلاط الى المختارة، قال لانصاره الكثر: انا وشمعون نختلف، وانا وابن نمر شمعون نتفق على وحدة المنطقة.
لماذا لا تعود الامور الى سابق عهدها، فتقع الخلافات وتقوم ايضا التوافقات.
كان شارل ديغول يقول لاصدقائه: ان اللبنانيين احرار في ان يلتفوا حولنا، واحرار في الالتفاف ضدنا، والا لا تكون عندنا سياسات ولا صراعات.
وفي عصر فؤاد شهاب، كان المفكر الفرنسي دوريانكور يقول: ان من ليس عنده قيصر، يمكن للشعب ان يجعل منه قيصرا.
والقيصر في رأيه، ليس الرجل القوي، بل هو الانسان الذي يجعل معظم من هم حوله قياصرة ورجالا في الحكم اقوياء.
هل مبادرة الكاردينال بشارة الراعي في عيد مار شربل في عنايا، بحضور الرئيس ميشال عون، وملاحظاته على ما يجري من مخالفات احيانا، وتفاهمات حينا، تمهد للتوافق بين الكاردينال والجنرال؟
الوقائع المتراكمة لا تزيد التباينات حقدا، من جانب رئيس الجمهورية او من جانب رئيس الكنيسة المارونية، لكن للرئيس عون وللكاردينال الراعي حدوداً للتفاهم لا يمكن تجاوزها بسهولة.
ويروى في هذا المجال ان لا احد منهما يريد مخاصمة الآخر، لكن، لا العماد ولا الكاردينال ضد التفاهم، ولو على مضض، من اجل مصلحة لبنان العليا، وللحرص على عدم الوقوع في أي خطأ سياسي الآن، لان وقوعه صعب المعالجة.
كان الوزير الراحل فؤاد بطرس، يقول انه بذل والرئيس السابق بشارة الخوري، جهودا للتوفيق بين الرئيس فؤاد شهاب والبطريرك بولس المعوشي، وقاما بزيارة هذا الاخير، وتناولا الغداء الى مائدته، وفاتحاه بامكان مصالحة الرئيس والكاردينال لكنه، اي الكاردينال تصلب، وامعن في ابداء غضبه على مواقف رئيس الجمهورية من البطريرك الماروني، الا ان فؤاد بطرس اكتشف ان لا جدوى من محاولة كهذه.
ولا احد ينكر ان الكاردينال المعوشي، سافر الى واشنطن، وطلب من الرئيس جون كينيدي عدم التجديد لفؤاد شهاب، لان فرنسا لم تعد الام الحنون على لبنان.
الا ان العلاقة بين الرئيس العماد ميشال عون والبطريرك الراعي مازالت في منتصف الطريق بين التفاهم والاحتضار.
ويقال ان الرئيس ميشال عون تربطه علاقة طيبة مع البطريرك الراعي، وإن كان لهذا الأخير ملاحظاته السلبية أحياناً.
وفي رأي الرئيس عون، انه لا يعتبر ان عهده قد بدأ الآن، وأن عصر الكاردينال صار خارج الإطار الذي يعتبر بعبدا، قصراً للإنفتاح لا للإنغلاق.
    قرأ هذا المقال   316 مرة
غلاف هذا العدد