إختر عدداً من الأرشيف  
فؤاد دعبول

السياسة توافقات لا خلافات
كان الكاردينال الراعي، بطريرك انطاكية وسائر المشرق، والعائد قبل ايام من الفاتيكان، يردد دائما في مجالسه الخاصة والعامة ان المناصفة هي قدر لبناني سليم، لاقرار العدالة في الوظائف وفي القوانين.
وهذا ما جعل السياسيين على اختلاف مذاهبهم والاراء، يضعون معظم آمالهم والاحلام، في حوزة رئيس مجلس النواب نبيه بري. عندما اجتمع في عين التينة، بحضور رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، والنائب جورج عدوان ممثلاً حزب القوات اللبنانية، وهو نائب رئيسه الدكتور سمير جعجع ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، بوصفه رئيساً ل التيار الوطني الحر وان كان غائباً عن اللقاء، وليس صهراً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
طبعاً، ليس مطلوباً ان ينتهي اللقاء ب توافق سياسي على قانون جديد للانتخابات النيابية، كما انه ليس مطلوبا ايضا ان يسفر الاجتماع عن اتفاق لا توافق على اسلوب الذهاب الى تحديد موعد للانتخابات المقبلة، لان المطلوب اساساً هو عدم الافتراق، لا عن مواصلة الحوار، ولا عن متابعة المشاورات بين افرقاء الازمة الناشبة في البلاد، حول اهم مفاصل الذهاب الى القانون النسبي او الى القانون الاكثري او الى اية صيغة انتخابية جديدة.
في حقبة ثمانينات القرن الماضي انتخب الرئيس بشير الجميل رئيساً للجمهورية بدعم مباشر من الرئيس اللبناني الياس سركيس، بعد فترة من الخصومات السياسية. وفي يوم وداع الرئيس اللبناني الراحل، وقف النائب ادمون رزق خطيباً في احتفال الوداع ورشَّح النائب الكتائبي امين الجميل لرئاسة الجمهورية، على الرغم من وجود تباينات في الاراء بين الرئيس الراحل والرئيس المرشح لخلافته.

بعد ثلاثة اسابيع، فوجىء اللبنانيون برئيس الجمهورية الجديد، يعلن صراحة تأييده لترشيح الرئيس حسين الحسيني لرئاسة مجلس النواب، فوقع الفراق بين الرئيس امين الجميل والنائب ادمون رزق ومعه الخطابي الثاني ارتجالاً وبلاغة، اي نائب جزين ونائب كسروان لويس ابو شرف، لانه احجم عن تأييد رئيس مجلس النواب كامل الاسعد للرئاسة الثانية، مع انه كانت له اليد الاساسية في وصول رئيسين من حزب الكتائب اللبنانية الى الرئاسة الاولى.
والقصة تتكرر فصولاً، لان التيار الوطني الحر ممثلا برئيسه جبران باسيل، يريد الانتخابات من خلال النسبية كما يريدها الرئيس بري. مع وجود ضوابط للنسبية تمر على مرحلتين: الاولى على مستوى الاقضية والثانية على قواعد المحافظة، بيد ان الاكثرية النيابية ترجح استمرار الصراع حتى ٢٩ ايار/مايو الجاري، وهو الموعد الاخير بين التمديد الثالث للمجلس الحاضر، والانتخاب الحقيقي والجديد قبل اللجوء الى آخر الفرصة التي لا بد منها، للتمديد الثالث للمجلس النيابي الحالي.
كان النائب السابق ادمون رزق من نجوم مؤتمر الطائف الذي انعقد في المملكة العربية السعودية في العام ١٩٨٩. لكنه فوجىء بان الاتفاق على رفع عدد النواب الى مائة وثمانية نواب، ارتفع الى ١٢٨ نائبا، بحجة او بذريعة سورية طلبها الرئيس الراحل حافظ الاسد من وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل، وانه لا بد من تصحيح ما فرضه السوريون على اللبنانيين.
الا ان السوريين امعنوا في تشددهم. فرفضوا ايضا الانكفاء عن لبنان حتى ضهر البيدر، ثم عادوا وقبلوا بالانسحاب الكامل منه بموجب القرار ١٥٥٩.
ويقول النائب علي فياض عضو كتلة الوفاء للمقاومة ان حزب الله يتمسك بالنسبية الكاملة، لكنه مستعد للحوار حول اي حل او مخرج يقود الى مصالحة لبنانية حول الحلول المطروحة، لانه يبقى الافضل من الصراع بلا حلول مجدية، لان لبنان من دون توافق هو لبنان مشلول الارادة والبنية.
وفي رأيه ان انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية لم يكن انتصاراً سياسياً لحزب الله، الذي ايده من اللحظة الاولى، حتى اللحظة الاخيرة، بل هو انتصار للارادة التوافقية اللبنانية، على السَيْر في هذا البلد من الخلافات الى التوافقات.
وقف سعيد عقل وهو يستقبل مئويته بشموخ امام حفنة من الادباء، وراح يردد بان الشاعر لا يموت اذا ما قبض مالا، ثمن قصيدة مطلوبة منه، لان من حق الاديب ان تكون لكلمته اثمان غالية.
وما كاد الشاعر الكبير ينهي كلماته حتى وقف الوزير السابق جورج سكاف، وقال انه من مدينة زحلة، التي اعطت لبنان شاعراً عظيماً من حجم سعيد عقل ومن طرازه.
الا ان شاعر البردوني لم تدغدغه كلمات جورج سكاف، بل وقف، ولو بصعوبة ليقول للحاضرين ان ما قاله الوزير سكاف ليس مجرد تعبير، بل فعل ايمان بالرأي الحر، والكلمة النابعة من القلوب والصدور.
كان الوزير والنائب الراحل فؤاد بطرس صاحب كلمة ورجل رأي حاد في المناسبات. وعندما ابدى رأيا مخالفا لرأي ايّده من جاء به الى السلطة، اي الرئيس فؤاد شهاب، عاتبه اصدقاؤه والمحبون، على ملاحظاته النابية بحق من جاء به من المحاماة الى السلطة.
وبعد اسبوع دعاه فؤاد شهاب الى اجتماع مع خبراء فرنسيين وبادر معظم الحاضرين: باننا مدينون باعتذار الى الوزير فؤاد بطرس، لانه اعطى اراء مغايرة لافكار معظم من حضروا اللقاء.
والوزير بطرس قاطع معظم الاجتماعات، بعدما تلقّى ملامات من الذين اخذوا عليه صلافته في رفض افكار عرضها وايدها رئيس الجمهورية في العام ١٩٦٢.
وهذا، ان دل على شيء، فانه يدل على ان السلطة ينبغي ان توضع في ايدي من عندهم اصرار في التعبير عما يؤمنون به، او ما يعتقدون انه حق من حقوق القانون على الناس.
    قرأ هذا المقال   325 مرة
غلاف هذا العدد