إختر عدداً من الأرشيف  
حوار الصياد

من القلب كتاب هشام جارودي يروي فصولاً من مسيرته الحافلة بالعطاء
انطلقت مع الرئىس صائب سلام وجمعية المقاصد وأخلصت للرئىس الشهيد رفيق الحريري
يروي المهندس ورئىس النادي الرياضي هشام جارودي، بعضا من مسيرة غنية بالمحطات والإنجازات والذكريات، وعلاقاته الوطيدة بالرئيسين صائب سلام ورفيق الحريري، وذلك في كتاب، غني بالمعلومات صدر في ايار/مايو الفائت تحت عنوان من القلب، وفي هذا اللقاء مع الصياد تحدث عن مضمون الكتاب وذهب بالذكريات الى لقاءاته الاولى مع الرئىس الشهيد رفيق الحريري، وكيفية انشاء سوليدير والى نص الحديث مع المهندس جارودي.

ما الذي دفعك الى كتابة مسيرتك بمستوياتها المختلفة وحمّلتها عنوان من القلب؟
- كنت افكر منذ زمن طويل بتدوين ذكرياتي مع الرئىس الراحل صائب سلام الذي ربطتني به صداقة متينة، لدرجة انه كان يعتبرني بمثابة ابنه، وكذلك الامر بالنسبة لذكرياتي في جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية، التي عملت فيها فترة طويلة، وذكرياتي مع الرئىس الشهيد رفيق الحريري، لا سيما واني كنت المهندس الوحيد الذي عمل على شراء ٩٩% من املاكه في لبنان، بالاضافة الى مساهمتي الكبيرة والاستثنائية في التحضير والاعداد لاطلاق الشركة اللبنانية لتطوير واعادة اعمار وسط بيروت سوليدير، لجهة الجرد العام الذي اعددته للعقارات، وغيرها من الامور.
وما اختزنه من ذكريات شخصية، على صعيد عائلي ومهني وعلاقاتي السياسية والمهنية والاجتماعية والرياضية، وما تخلل مسيرتي من محطات، بعضها يسلط الضوء على امور ومواضيع يجب كشف النقاب عنها، لفهم خلفياتها واتخاذ العبر منها، كان لا بد من ان تخرج الى العلن. وفيما كنت أماطل في اعدادها لنشرها في كتاب، تلقيت ذات يوم إتصالاً من الاعلامية السيدة وردة زامل، تطلب مني التحدث عن مسيرتي وذكرياتي ضمن برنامج سباعيات واستغرق ذلك ٧ حلقات. يومها كنت في لندن، ووعدتها بالحضور فوراً الى صوت لبنان لاجراء هذا الحديث.
وما رويته عن مسيرتي من دون العودة الى اية ورقة، اعاد تفريغه صحافيون للاطلاع على ما قلته، ولحفظه لنفسي. غير ان صديقي الوزير محمد المشنوق شجعني على اصدار ما ورد في تلك الحلقات في كتاب، فكلفت الصديقة المؤرخة الدكتورة فاطمة قدورة الشامي بمراجعة ما ورد في السباعية، وبدوها شجعتني على استكمال ما قلت. عندها، انصرفت الى اكمال الكتاب.

٨ عناوين في الكتاب
وهل يتضمن الكتاب كل محطات مسيرتك وما تخللها من مواقف؟
- عندما انتهيت من الكتابة التي استغرقت عامين، وجدت نفسي امام ٧٠٠ صفحة، وعملت على تقليصها الى ٣٢٥ صفحة، ذلك انه لن يقرأ أحد كتاباً بهذا الحجم. وللتسهيل على القارئ، قسمت ما اوردته في الكتاب الى ٨ اقسام، ويحمل كل قسم عنوانا وما يتعلق به من معلومات. مررت بهذا الكتاب على مجمل مراحل حياتي، بدءا من اصل وتحدر العائلة، وطفولتي، ومرحلة الدراسة وعائلتي ومسيرتي المهنية، وعملي في المقاصد، مروراً بعلاقتي بالرئىس صائب سلام وثم بالرئىس الشهيد رفيق الحريرري - رحمهما الله - وبرئاستي لنادي الرياضي على مدى ٢٥ عاما، على أمل ان يتسلمه غيري بعدما أديت واجبي، وصولا الى بعض الكلمات التي كتبتها في مناسبات عديدة، وعلاقتي بالشعر والثقافة، فيما قدم لكتابي عدد من الاصدقاء، في مقدمهم الرئىس تمام سلام، والرئىس سعد الحريري والوزير محمد المشنوق.
بالعودة الى مسيرتك، ما هي ابرز المحطات التي تعتز بها؟
- لا اخفي ان كل محطات حياتي افتخر بها، لانها كانت ولا تزال ناجحة ومثمرة بالعطاء. وقد مررت عليها في هذا الكتاب الذي اعتبره صادر فعلا من القلب. اروي في كتابي ظروف لقائي الاول، وعن طريق الصدفة بالرئىس الشهيد رفيق الحريري، خلال العام ١٩٨٧. يومها، كنت في ضيافة غداء عند الرئىس صائب سلام وعقيلته السيدة تميمة رحمهما الله انضم الينا الشيخ رفيق الحريري، يومها سأل الشهيد الحريري عمن أكون، فأجابه الرئىس سلام انه هشام جارودي أعز ولد لدي. وبعد يومين طلبني الحريري عبر صديق مشترك، للحضور الى جدة، حيث التقيته على عشاء في دارته، وبادرني بالقول انه يريد شراء العقارات في وسط بيروت المهدم، لاعادة البناء بطريقة منظمة. فأجبته ان مشروعا من هذا النوع لا يمكن تحقيقه لان الدستور اللبناني يكفل الملكية الفردية، وبالتالي لا يمكن الزام احد ببيع عقاره، الا اذا كان هناك مشروع ذو مصلحة عامة وبقرار من الدولة، كي يتخذ المشروع صفة المنفعة العامة، وعبر انشاء شركة عقارية منظمة، تقوم بهدم القديم وشق طرقات، وتطوير البنى التحتية، بما فيه الحدائق وفق التنظيم المدني وقوانين بلدية بيروت.

ملفات متكاملة
هل اديت دورا غير اسداء النصيحة؟
- اشتغلت على كل عقار يقع ضمن سوليدير. أعددت ملفات متكاملة بكل العقارات، مع تحديد قائمة المالكين، وعدد الاسهم، والمستأجرين. أوردت في كل ملف كل التفاصيل، بما فيها من كان يعلق بضاعته على شباك او باب لبيعها. وذكرت كل شيء لضمان حق التخمين والتعويضات، وشملت الملفات كل مناطق سوليدير من المرفأ، وميناء الحصن، وزقاق البلاط وغيرها من المواقع. وبعد ستة اشهر من العمل، توجهت الى جدة حاملا حقيبة فيها خمس مجلدات كاملة المعلومات، وقدمتها للرئيس الحريري بوجود المهندس هنري اده، الذي فوجئ بحضوري، وسأل كيف سنحفظ حقوق الناس في وسط بيروت، وكيفية معرفة المالك من المستأجر والمستثمر. وأجبته بأن كل شيء مدروس، وقدمت له البرهان، بإخراجي ملف متعلق به، لجهة إيجاره في ستاركو مع رقم العقار، واسم المالك والمستأجرين، وما عليه من رسوم بلدية ومصاريف مشتركة غير مسددة.
كيف استطعت إعداد كل هذه الملفات؟
- من الدوائر العقارية، سهّل لي رئىسها الصديق يوسف خليل الوصول الى الملفات، فكنت اصورها، وألحق كل اسم مالك أو مستأجر أو مستثمر، ومن البلدية أخرجت المتوجب من ضرائب ورسوم، وكذلك الأمر من المالية.
اذن انت عراب سوليدير الذي كان للمهندس هنري اده اعتراض عليها؟
- كثر يعتبرونني كذلك، أما بالنسبة للمهندس اده، فان اعتراضه وتركه سوليدير يعود لخلاف حول قطعة ارض واقعة بين مسجد محمد الامين وكاتدرائية مار جرجس. كان يريد ضمها للكاتدرائية، فيما لجنة المسجد تريدها لها، فأرسلت صورة للارض موضوع النزاع الى الرئىس الحريري عبر الفاكس، واتصلت به وأوضحت له الموضوع، ليرسل الصورة بعدما رسم بقلم الرصاص خطاً، يشير الى اعطاء الكاتدرائية نصف العقار والنصف الآخر للمسجد، وقد تمسك اده بموقفه. وفور عودة الرئىس الحريري من باريس، حسم الامر لصالح اقتسام العقار مناصفة بين المسجد والكاتدرائىة.
هل يختصر ما ورد في الكتاب كل حياتك؟
- بالطبع لا. ما ورد فيه هو فقط مقاطع ومراحل مررت بها. هناك امور كثيرة لم آتِ على ذكرها ابداً، لاسباب يرتبط بعضها بأمانة المجالس، لا سيما تلك المتعلقة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي رافقته ٢٠ عاماً، وكان يثق بي. وكان يقول لي ما اقوله هو بيني وبينك، وكذلك الامر مع الرئىس صائب سلام الذي لازمته طيلة حياته، حين كان في جمعية المقاصد، ورئىساً للحكومة.

حقائق عن الحريري
لكن، الا تظن ان الوقت حان لانصاف الرئىس الشهيد رفيق الحريري بالكشف عن المعلومات والحقائق؟
- افكر كثيرا بذلك، لكن هناك من هم أقرب وأفضل مني للتحدث عن أمور كثيرة ظُلم فيها. فهناك كثر ممن استفادوا منه، وعاشوا على يمينه وصنعوا امجاداً لهم، وأصبحوا أقوى منه. لكني، وانصافا لهذا الرجل، اؤكد انه كان صادقاً في تعاطيه مع العالم، ومستقيما في معاملاته. لم يشتر الرئىس رفيق الحريري عقاراً، أكان ارضاً او شقة الا ودفع القيمة الحقيقية لتسجيلها في الدوائر العقارية، لدرجة انه في احدى المرات، دفع ٣ مرات وبظرف ايام قليلة القيمة المتوجبة عليه في تسجيل شقة، نقل ملكيتها لافراد عائلته ٣ مرات.
اذكر انه خلال التعازي باستشهاده، لفت نظر الشيخ سعد، حضور يومي لسيدة مسيحية متشحة بالسواد، وكانت تبكي طوال الوقت. فطلب مني معرفة هويتها، فاستأذنتها بالحديث، واخبرتها ان الشيخ متعجب لحضورك. فأجابتني بأنها من سكان باريس وان ابنتها احتاجت لتركيب قدم اصطناعية بكلفة ٧٠ الف يورو، فقيل لها اكتبي رسالة للرئىس الحريري، ففعلت وأودعتها في بيته الباريسي، ليحضر بعد اقل من ٤٨ ساعة شخص من قبله بشيك يحمل المبلغ كاملاً. وقالت لي باكية: كيف لا أبكي على انسان احيا ابنتي.
كنت التقيه مرتين في اليوم، وانجز له ما لديه من معاملات في الوزارات والدوائر. حافظت على عادتي هذه بعد اغتياله، لكنني لم أجد احداً يبكي عليه سواي. تعلقت بهذا الانسان، لصدقه وانفتاحه. لم يكن من حملة شهادات الطب والهندسة والسياسة وغيرها، لكنه كان مثقفاً بما فيه الكفاية للتحدث بكل الامور.
ولا انسى ذلك اليوم الذي كان يتحدث فيه مع الرئىس صائب سلام عن تنظيف كورنيش المنارة، وتوزيعه حصصاً غذائية باسم خادم الحرمين الشريفين على الفقراء، وتعليمه الطلاب، ومن حسابه الخاص. فتمنى عليه الرئىس سلام ان ينتبه للمصروف، فأجابه: كل ما أقوم به هو من فائدة أموالي.
كان الرئىس سلام يردد أن رفيق الحريري شخصية لبنانية لن يكرر التاريخ مثيلاً لها.
هل رافقته حتى اللحظة الاخيرة من حياته؟
- وحتى بعد اغتياله. انا الوحيد الذي غسله وكفّنه بطلب من الشيخ سعد. وبعدما يممنّاه، فصلنا تابوتاً على مقاسه بظرف ربع ساعة، ونقلته الى دارته في قريطم. اذكر اننا اختلفنا حول مكان دفن مرافقيه الشهداء السبعة، وأصريت على ان يُدفنوا الى جانب من عاشوا معه، رحمة لهم وللرئيس الشهيد ولعائلاتهم. كما حسمت موضوع مكان المدفن. فبعدما كانوا قد قرروا دفنه تحت مسجد محمد الامين، اعترضت بدافع ان زيارة كبار الشخصيات ستكون متعذرة، واقترحت حديقة بجانب المسجد، فكان الجواب ان ملكيتها تعود لمواطن بحريني، وانه على سوليدير تسديد ثمنها، فكان ردي ان يُعطى المالك عقاراً في مكان آخر، بمقابل تعهدي بجمع ثمن الارض من شخصيات لبنانية، لان الحريري مُلك لكل لبنان. أرسلت فاكساً للمواطن البحريني، ليرد علي بسرعة فائقة بما كتبه هذه الارض وكل ما املك في سوليدير ولبنان أضعها تحت اقدام رفيق الحريري. الشيخ سعد أعطاني حقي في مقدمة الكتاب بسرده ما حصل.

الكتاب والأدب
بعيداً عن السياسة ورجالها وذكرياتك معهم، ماذا عن الجانب الادبي في الكتاب؟
- الادب وكتاباتي وما كتب عني، بالاضافة الى انجازات النادي الرياضي، وما لي ولعائلتي من عطاءات على صعيد اجتماعي - انساني، تشكل جزءا لا يتجزأ من مسيرتي. فأنا من محبي الشعر، وأقرب الشعراء الى قلبي سلام الراسي وقصائده الشعبية، وكانت تربطني به صداقة بدأت من لندن. كما واني اول من دعا الشاعر نزار قباني الى ندوة في الجامعة الاميركية في بيروت، وكنت لا ازال طالبَ هندسة فيها. يومها، لم تبقَ شابة وسيدة الا واستمعت الى قصائده أيظن، وماذا اقول له وحبيبتي... وتخطى جمهوره الانثوي حدود الجامعة الى ادراج مطعم فيصل.
وتأخذني ذاكرتي الى حفل تكريم الاخطل الصغير من قبل الرئىس صائب سلام في الاونيسكو، وبحضور شعراء من العالم العربي. يومها، بعدما القى الشعراء ما عندهم، طُلب من الاخطل القاء كلمة، فصعد المسرح متكئا على عصاه، ووقف لثوان من دون كلام. وبعد ان صفق له الحضور مرارا توجه اليهم بالقول ما للقوافي اذا قاربتها نفرت/ رعت شبابي وخانتني على كبر/ يوم اصبحت لا شمس ولا قمر/ من لا يغرد على عود بلا وتر.
هل تحفظ الشعر؟
- وكاتب، وصاحب موقف. ضمنت كتابي بعضاً من المقالات التي كتبتها في اصدقاء رحلوا امثال انطوان شارتييه صخرة من لبنان هوت، واخرى اصوب فيها حقاً لاشخاص امثال الدكتور صبحي المحمصاني، الذي سهت كل الكلمات، في حفل تدشين شارع يحمل اسمه، عن ذكر دوره في التربية الوطنية والاخلاق، هذا الكتاب الذي وضعه الى جانب غيره، ونهلنا منه على مقاعد الدراسة الوطنية والاخلاق والتربية الصحيحة، ولا يدرّس اليوم، وسأطرح تدريسه أقله في مدرسة الانترناشيونال كوليدج، مدرستي القديمة ومدرسة احفادي، حيث انا عضو بمجلس امنائها.
ضمنت كتابي ما كتبته عنه وعن غيره، وما كتبه وغرد به احفادي.
ماذا يمثل لك هذا الكتاب؟
- انه بعض من مسيرتي بمختلف مراحلها وعناوينها المتعددة، وبمقدمها العطاء، لاني اعطي من كل قلبي بفرح يفوق فرحي بقبض المال، ولا مانع لدي من ذلك، لكني افرح بالعطاء.

    قرأ هذا المقال   2684 مرة
غلاف هذا العدد